الاثنين، 24 أكتوبر 2011

الربيع العربي : هل السودان حقا يسبق الدول العربية ؟؟

جميعنا يتابع باهتمام ما يحدث في الدول العربية من تظاهرات و ثورات التي اشعلها البوعزيزي في يوم لا يكاد يذكره احد و من ثم انتشرت كما النار في الهشيم من حي إلى حي و حارة إلى حارة فقرية إلى قرية و اصابت المدن فلم تبقي منها و لم تذر فهدت الحكومات و أطاحت بمن اطاحت و مازال الباقون يتحسسون كراسيهم حذرا منها وخلال هذا الثورة كانت كل وسائل الإعلام تتحدث عن الربيع العربي و الثورة التي انطلقت من تونس ووصفوها بأنها أول ثورة شعبية في العالم العربي و نسوا او تناسوا الثورتين السلميتين اللتان خرجتا في السودان و إذا اجملنا عدد القتلى في السودان لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة خلال تلك الثورتين .
لعل وسائل الإعلام العربية لا تدري بأمر ثورات الشعب السوداني لأنهما كانتا في عهد غابر بالإضافة إلى أن الشعب السوداني دائما تجده خجولا عند تعديد مآثره و يفشل في تسويق نفسه إعلاميا و هذا نتاج التربية السودانية التي تربي النشء على قيم الإيثار و التواضع وعدم الفخر حتى لو كان الموضع يستحق ذلك.
ثم بعد نجاح الثورات في كل من تونس و بعدها مصر فاللاحقة حديثا بالركب ليبيا ،  جميعنا لاحظنا الحراك السياسي المكثف و الجدل الدائر في تلك البلدان و عادت بقوة الدائرة المفرغة التي تتكلم عن الإسلام و الشريعة كمصادر وحيدة للتشريع والدستور كما شاهدنا ايضا كيف استغلت الأحزاب التي تدعو نفسها بالإسلامية كل ذلك لمصلحتها بآلتها الإعلامية الضخمة مدعومة بقناة الجزيرة التي لا نعرف لها فائدة غير تأجيج الفتن والصراعات في المنطقة و اختها العربية التي تتبعها اينما ذهبت.
الشاهد في الأمر ان ثورة تونس لم تكن ثورة جياع وليست هي في مصر ايضا  فليس بالمواطن التونسي أو المصري بأقل حالا من المواطن السوداني أما ليبيا فكلنا يعرف رخاء المعيشة في تلك الدولة الغنية و قد عشت فيها عامين من حياتي رأيت فيهما العجب العجاب و كيف ان خمس أرغفة من أجود انواع الخبز و هي كافية لغذاء مائدة مكونة من اربعة افراد ليوم كامل يبلغ ثمنها خمسة قروش فقط و ان لتر البنزين  ارخص من لتر الماء و قلما تجد مواطن ليبي يمد يده ليسألك مساعدة في الشارع ، و لذلك من المحتم أن الثورة الليبية هي ثورة كرامة و حرية من الشمولية و حكم الفرد الأوحد كما هي في مصر و قبلها تونس.  بيد ان كل هذه الدول لم تذق الحكم الإسلامي او كما يطلق عليه احزاب الإسلام السياسي فدعوتي لهم ان هلموا اسألوا اخوتكم السودانيين عما يعنيه ذلك...
كل يوم اجلس فيه امام التلفاز او افتح الشبكة العنكبوتية ازداد يقينا ان السودانيين تجربتهم السياسية هي اغنى تجربة في المحيط الذي حولهم فهم قد قادوا ثورات الكرامة قبل خمسين عاما و نيف فحينها لم يكونوا جوعى كما هم اليوم و كانت لهم خدمة مدنية يشهد بها الأعداء قبل الإصدقاء و مستويات المعيشة مرتفعة جدا فلم يكن هناك اغتراب او هجرة او غيره و كانت الأرياف اجمل و انظف و افضل من المركز و مع ذلك ثاروا ليحققوا الكرامة و الحرية التي يطالب بها اخوتهم في تونس و مصر و ليبيا  اليوم ثم بعد ذلك دخلوا في دوامات الإنقلابات والثورات حتى اتاهم الإسلاموين الذين قويت شوكتهم ايما قوة في آخر حكومة شمولية و من بعد ذلك كانت لهم صولات و جولات في الإنتخابات الديمقراطية الأخيرة التي شهدتها البلاد و كان متابعي الشأن السياسي في تلك الفترة يتنبأون لهم بمستقبل عظيم في الإنتخابات التي تليها لو أنهم صبروا إلا أن تدهور الحالة الإقتصادية للبلاد في تلك الأيام دفعهم للإنقلاب على الشرعية و تيقنهم من ان الشارع لن يرفضهم بحكم نتائجهم التي حققوها في تلكم الإنتخابات و فعلا كان لهم ما أرادوا بل إن الناس استبشروا بهم خيرا و بإسم ثورتهم أو كما أطلقوا عليها "الإنقاذ". فدخل السودان لثاني مرة في حياته مرحلة الدولة الدينية ومن سخريات القدر ان المرحلة الأولى كانت ايضا في نهاية قرن "الدولة المهدية في نهاية القرن التاسع عشر". بيد ان السودانيين ذاقوا الأمرين في كلتا الدولتين فعانوا ما عانوا مع المهدية و تكرر الأمر ايضا مع الإنقاذ.
اليوم و انا اشاهد الجدال في كل البلاد التي دخلت الربيع العربي يحدوني هذا السؤال: هل فعلا يسبق السودان اخوته؟؟ فمن الواضح ان كل هذه البلدان في بدايات الحكم الديني  الذي يحاول السودان الخروج منه في هذه الأيام بشتى السبل ،  انها دورات للتاريخ تعيد نفسها في أماكن مختلفة فأوروبا خرجت من عباءة التحكم باسم الدين منذ ما يزيد على ثلاثة قرون و بعد ذلك انطلقت لتشهد اكبر ثورة حضارية في تاريخ البشرية و ما لبثت أمريكا ان اخذت منها الراية على نفس الأسس التي ترفض الحكم بإسم الدين.
السودان بلد حضارات و نحن سكانه نعرف ذلك ، بلد حضارات قبل أن ينزل الدين اسلامي إلى الأرض بل و حتى قبل الدين المسيحي نفسه فالحضارة بشكلها الإنساني ليست حتما مرتبطة بالدين و التدين بل بالعدل و المساواة و هي قيم بشرية موجودة على الأرض و حكمت بها دول و حضارات وثنية فنجحت و فاضت بالخير على مواطنيها و من جاورهم.
ان الدول العربية التي تدخل مرحلة الحكم باسم الدين و شعارات التكبير و التهليل العالية التي لم و لن تبني دولة مالم يصاحبها عمل ستتيقن أي كارثة تنتظرها مالم تتنبه و تدرك ان ما يبني البلاد هي قيم لم ينادي بها الدين الإسلامي وحده بل حتى الديانات الوثنية تنادي بها و أنها إذا كانت تعتقد ان التكبير يبني البلاد و يضعها في معادلة الدول الكبرى فلينظروا لأشقائهم في السودان الذين يشكلون أكبر دولة مرددة للشعارات على وجه البسيطة و مع ذلك يعاني اقتصادهم ما يعاني بسبب التمسك بتلك الشعارات و التغاضي عن العمل بجوهرها.
فهل يخرج السودان من رحم المعاناة أم أنه سيبقى هناك و يلحق  به اخوته في مصر و ليبيا و تونس؟؟ 
الأيام كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال وها نحن هنا منتظرون ...

هناك تعليق واحد:

  1. تحية طيبة أخي مصطفى.. أتفق معك تماما في أن الشعب السوداني يفشل في تسويق نفسه إعلاميا كما قلت.. لهذا لابد من الحفاظ على حقنا الأدبي بالإشارة إلى ثورات السودان كلما سنحت لنا الفرصة.. و للإسف فإن الإعلام الرسمي في بلادنا يتناسى حتى الإشارة لهذا التاريخ النضالي الذي لا يتجزأ بأي حال من الأحوال عن تاريخ السودان.. فثورة أكتوبر تحارب بصورة غريبة من قبل الإعلام الرسمي و بل يعتبرها البعض ثورة شيوعية!!
    لكن اسمح لي أن أختلف معك في بعض النقاط الواردة في مقالك.. الشعب السوداني لم يحكم بالإسلام و لم تحكمه الشريعة لا في عهد نميري و لا في عهد ما يسمونه "الإنقاذ".. كلاهما شوّها و أضرا الإسلام باسم الحكم بالإسلام.. و لا أحد ينكر أن الواقع المفروض علينا في السودان بعيد كل البعد عن الحكم الإسلامي حتى و لو أصر متبنوه على هذا المسمى. نميري كان يختار من الشريعة ما يريده و يترك الباقي و البشير يفعل الأسوأ. في رأيي أن التجربة السودانية لا تصلح بتاتا للحكم على مشروع الدولة الإسلامية.
    و انظر إلى الحكومات في كل من تونس و مصر و سوريا حكومات كانت تحارب الإسلام و الإسلاميين منذ عقود، و رغم ذلك كانت الأنظمة في تلك الدول آية في التخلف و الإنحطاط. و بالتالي فالواقع السياسي و المعيشي بيننا و بينهم متشابه إلى حد التطابق، رغم عدم تبنيهم للحكومة الإسلامية، و رغم زعم حكومتنا التحاكم إلى الشريعة.
    لكن العامل المشترك بين حكومتنا و حكومات الربيع العربي هو الظلم و الإستبداد و القمع و أكل المال العام، لذلك كان لابد لتلك الشعوب من تغيير و نحن على الدرب سائرون. و كما قلت فالعدل و المساواة قيم إنسانية تفتقر إليها حكومتنا كما افتقرت إليها حكومتهم. و بالتالي فإلقاء اللوم على "الدين و التدين" لما وصلنا إليه حاليا هو عين الظلم و الإجحاف.
    أعذرني على الإطالة لكن رأيت بأن الموضوع يستحق هذا الإسهاب. و تقبل مروري.

    ردحذف