السبت، 29 ديسمبر 2012

الصادق المهدي و رؤيته للحكم الرشيد

تشرفت يوم الأربعاء الموافق 26 ديسمبر بحضور منتدى الإدارة الذي يقيمه المجلس الثقافي البريطاني بالتعاون مع شركة إم تي إن  الذي كان بعنوان الحكم الرشيد و الذي استضافوا فيه السيد الصادق المهدي رئيس وزراء السودان السابق و رئيس حزب الأمة كمتحدث رئيسي في المنتدى.
المنتدى على حد علمي يقام بصفة راتبة في فندق كورينثيا بمنطقة المقرن الراقية في وسط العاصمة المثلثة على أنني فوجئت بقلة الحضور وانا الذي يممت وجهي شطر الخرطوم قبل المغرب ووسواسي يخبرني بأنني سوف لن أجد مقعدا بما ان المتحدث هو أحد أعلام البلاد و رئيسها السابق في آخر عهدها بالديمقراطية !
وصلت إلى الفندق في حوالي السابعة و عشرة دقائق مساءا ً ، فكرت في شرب فنجان من القهوة حتى افتح خلايا عقلي لتقبل حديث السيد الإمام و في خيالي طيف من طفولتي حينما كان يتوقف التلفزيون القومي عن بث المسلسل اليومي لينقل حديثه مما يعرف بالجمعية التأسيسية فاعترتني قشعريرة و انا اتساءل إذا كان ذلك باللغة العربية فكيف به متحدثا بالإنجليزية و أنا اعلم انه خريج أوكسفورد !!
شربت قهوتي على عجل و سابقت افكاري نحو القاعة فكانت عملية التسجيل يسيرة جدا ولكن المفاجأة كانت في خلو القاعة من الحضور و الساعة تشير نحو تمام السابعة و النصف ، حجزت مقعدي في منتصف القاعة تماما في الصف الثالث و قمت بعدّ الحضور لأجد أنهم لم يتجاوزوا السبعة و ثلاثين شخصا بينهم إثنتي عشرة إمرأة معظمهم يبدو عليهم انهم من الصحفيين و قليل جدا من الشباب الشيء الذي احبطني جدا.


على المقاعد كانت توجد هدايا من شركة إم تي إن للحضور و هي لفتة لطيفة لا أدري هل هي عادة دارجة في المنتدى أم أنها فقط بمناسبة العام الميلادي الجديد ولكنها لاقت استحساني على كل حال. ثم مالبث ان توافد الحضور على القاعة و نحن في انتظار البداية التي تأخرت حوالي ست و اربعين دقيقة بحسب ساعة يدي و لم نتلق أي إعتذار إلا عند الساعة الثامنة و عشر دقائق ليخبرنا أحد المنظمين بأن سبب التأخير هو زحمة الطريق !! حقيقة تعجبت و انا استمع فكأن الحضور أتوا من مدينة أخرى غير الخرطوم ، فإذا كنا جميعا تمكنا من الحضور في الموعد فلماذا لا يتمكن السيد الإمام من الإيفاء بإلتزامه وهو المتحدث الرئيسي !؟ و لعل هذا يلقي قليلا من الضوء على كيف نجح إنقلاب الثلاثين من يونيو !

بدأ المقدمون بالتعريف بمدير المنتدى و خانتني الذاكرة في حفظ المقتطفات البسيطة التي قيلت عنه ، على أنني أذكر منها انه يعمل كاستشاري في بنك المال المتحد حاليا و انه تلقى دراسته الجامعية في جامعة الخرطوم و حاصل على زمالة المحاسبين أو المراجعين القانونيين و عضو للعديد من الهيئات الإستشارية الأمريكية البريطانية.
قام السيد مدير المنتدى بتقديم المتحث الرئيسي السيد الأمام الحسيب النسيب كما يحلو للأنصار بتسميته الصادق الصديق عبدالرحمن المهدي وهو غني عن التعريف كما قال تماما . ثم حيا السيد الإمام الجمهور  ( أحب هنا أن ألفت نظر القاريء إلى أن المنتدى يقام باللغة الإنجليزية بالكامل ) وابتدر مقدمته بالتعريف و التنبيه بدور اللغة الإنجليزية كلغة العصر الأولي و أشاد بدور المركز البريطاني في نشر اللغة و تعليمها.



قدم السيد الإمام محاضرته مقروءة من ورقة و هنا كانت استفهاماتي ، على أني تجاوزت هذا بتبرير مفاده انها قد تكون من متطلبات المنتدى كتابة المحاضرة على ورقة حتى يتسنى للجمهور المتابعة بصورة أدق و ما لبث أن تأكد شكي حين تم توزيع المحاضرة علينا مطبوعة كما ترون في الصور في الأسفل ...










يمكنك عزيزي القارئ  الإطلاع على رؤية السيد الإمام للحكم الرشيد من الورقة أعلاه ولكني أنصحك أولا بتناول حبتين للضغط و علاج وقائي للجلطة و أن تكون قريبا من المستشفى في حال شعرت بأعراض المرارة ثم عليك الإستغفار عديدا قبل القيام بأي شيء قد تندم عليه في المستقبل ، و كسبا للوقت سوف لن أقوم بإعادة ما ذكره فهو كعادته يناقض أفعاله في كل شيء يقوله وهذا ليس بجديد عليه.

بعد المحاضرة تم فتح باب الأسئلة للجمهور و بدايةً ظننت أن الإمام سيصطلي نارا حامية من الجمهور ولكني فوجئت بكمية الثلج الذي تكسر على رؤوسنا حتى حسبت أنني قد ضللت طريقي إلى منتدى هيئة شئون الأنصار و ترى الإمام يوزع في إبتساماته يمنة ً و يسرة و الأسئلة البريئة تتساقط عليه بردا و سلاما . طُرحت خمسُ اسئلة في البداية فاستهلك الإمام معظم الوقت ليجيب عليها و منها حسمت أمري و قررت أن اسأل السؤالين الذين طالما تمنيت طرحهم على السيد الصادق المهدي وجها لوجه إن أمد الله  في أعمارنا و قدر لي أن أقابله ، فجلست على أحر من الجمر منتظرا فرصة النقاش الثانية.
وأخيرا بعد طول انتظار و ملل فُتح باب الأسئلة للحضور مرةً ثانية فرفعت يدي عالية حتى يتسنى لمدير المنتدى رؤيتها فلا تفوتني الفرصة ، فاتيحت فرصة أولى لسيدة جليلة عرّفت باسمها و بانها معلمة للغة الإنجليزية و كان سؤالها عن: هل تتعارض ممارسة الديمقراطية مع الإسلام و هل يمكن للمسلم الملتزم أن يمارس العمل السياسي بشكله الراهن؟ ثم بعدها اتيحت الفرصة لشخص آخر فكان سؤاله للسيد الإمام بأن صحف اليوم خرجت علينا بأخبار مفادها أن السيد الإمام قد صرح تصريحا بأنه سيتقاعد عن ممارسة العمل السياسي و يتفرغ للتنظير فهل من تأكيد ؟ و يبدو على الرجل أنه صحفي من هيئته و طريقة طرحه للسؤال و إنجليزيته الركيكة  فعلق مدير المنتدى على هذا السؤال بهمهمة لم اتمكن من سماعها بوضوح ولكن فيما يبدو لي أنه طلب من المشاركين الإبتعاد عن السياسة فأصر الرجل على سؤاله و أعاده بإلحاح أشد من ذي قبل فتقبله المدير على مضض .و من ثم أُتيحت لي الفرصة للنقاش و السؤال. هنا استميحك عذرا عزيزي القارئ بأن أكتب الأسئلة بلغتها التي طرحتها بها حتى يتسنى لك الفهم بصورة أشمل:
Dear Mr. Elsadig, I have two points or questions, First one: don't you think that Mahdeya has turned from being a revolution against colonization to some sort of Dynastico-theocratico-military governance?

My second question is : Barack Obama is born in 1961 and David Cameron the British prime minister is born 
in 1966 and you have been the head of Umma party since 1964, now what kind of messages do you think this will send to the Sudanese youth and our young generations about Good governance and setting a role model for them?
Thank You
سؤالي الأول للسيد الإمام: ألا تعتقد بأن الثورة المهدية تحولت من كونها ثورة ضد المستعمر إلى حكم ديكتاتوري ، ديني و عسكري؟؟
و سؤالي الثاني قدمت له بأن باراك أوباما مولود في 1961 و ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني مولود في 1964  و أنك توليت رئاسة حزب الأمة في نوفمبر 1964 ، برأيك ماهي الرسالة التي يتلقاها الشباب السوداني حول الحكم الرشيد و الصورة المثالية له وهو ينظر إليكم؟
و حقيقة لأول مرة قام جزء كبير من الحضور بالتصفيق بعد سؤالي ، اختلجت الكثير من المشاعر في قلبي فحتى لحظة طرح السؤال كنت أظن أن الشعب السوداني غير واعي و منتبه لما يحدث من حوله و لكن فقط لحظة التصفيق من الحضور و كلمات التشجيع التي سرت هنا و هناك أعادت لي الثقة بأن الشباب السوداني  يشاهد و يعرف و يحكم و ينتظر ..

ثم بعد ذلك اتيحت الفرصة لأحد الشباب فقام و أثنى على كلامي و قال أنه يود توجيه نفس الرسالة أو السؤال للسيد الإمام و يتمنى لو يسمع تعقيبا حول تلك المسألة ..
إجابات السيد الإمام كانت كالآتي:
أولا أفاض و استفاض في إجاباته للسيدة الكريمة حول رؤيته للسياسة و الإسلام و أنه لا يرى أي تعارض بينهما و عضد رأيه بما يراه مناسبا من الكتاب و السنة الفعلية و القولية ثم طفق على سؤال الصحفي و قال بأن الصحف تفسر الحديث على عواهنه و أنه لم يكن يتكلم عن اعتزال العمل السياسي و إنما تحدث عن أنه حان الوقت لتدريب شخص يتمكن من قيادة حزب الأمة في المستقبل و لعل الصحف رأت في ذلك نوعا من الإعتزال.
و عندما أتى إلى أسئلتي أولا تجاوز السؤال الأول بشكل كــــــــــــــــــــــــــــــــامل !! كأنما لم أطرحه فلم يعقب عليه من قريب أو من بعيد و دلف إلى السؤال الثاني مباشرة و كانت إجاباته كالآتي:
أولا اعترف بأنه على سدة رئاسة حزب الأمة منذ نيف و خمسين عاما ، و لكنه يرى أن تلك الأعوام من الظلم بمكان وضعها جميعا في نفس المنزلة فهو يرى أن اربعين عاما منها كانت تحت ظل حكومات دكتاتورية و كما هو معلوم أن الدكتاتوريات تضيق مساحة العمل السياسي و تقتر على الأحزاب في الحركة و العمل السياسي و بالتالي ليس علينا محاسبته بها. أما التبرير الثاني على حد زعمه فهو يرى أن الزعامة تكليف و ليس تشريف و أنه بجلوسه على الرئاسة لفترة النصف قرن و يزيد إنما كانت تضحية منه بما أن الدكتاتوريات كانت تعتقله و تشرده من البلاد و قال أن كل الحكومات الدكتاتورية بلا منازع قد عرضت عليه المشاركة بما يتضمن الحكومة الحالية و هو كان دائم الرفض لأنه من أنصار الديمقراطية و أنه لن يدنس تاريخه بالمشاركة في حكومات تأتي عن طريق الدبابات و الإنقلابات فسبحان من جعله يرى تلك دكتاتوريات و يرى جلوسه لنصف قرن تضحيات و مشاركة إبنه لهم حرية شخصية !!
أما الجزئية الأخيرة حول كيف يتلقى الشباب السوداني جلوسه كل هذه الفترة على الرئاسة فكانت إجابته كالآتي:
قال بأنه يعتقد بأن هذا هو النموذج المثالي للعمل السياسي و أن الشباب السوداني يجب أن يقتدي به في ذلك لأنه يضرب لهم مثلا كيف أن الإنسان يحارب من أجل أهدافه و مبادئه مهما سُجن أو طورد أو أو أو أو .... و أنهم جميعا يجب ان يكون لهم نفس الإصرار و العزيمة ... هنا أترك لك الحكم عزيزي القارئ و ليس لي من تعليق سوى حسبي الله و نعم الوكيل ..
أثناء حديثه علق جاري الذي كان يجلس بجانبي و نبهني إلى أن الإمام تجاوز سؤالي فحمدت الله على أن الجمهور لم يغط في نوم عميق و تنبه إلى مرواغات السيد الأمام.
بعد هذا شكر مدير المنتدى الحضور و اُختتم المنتدى ، ثم توجهنا بعدها لتناول الشاي و القهوة فاحمد الله أن الكثير من الشباب  شكروني على توجيه هذه الأسئلة و قالوا أنها كفتهم كل المنتدى ، كما  قام كبار السن يسؤالي عن هل أعتقد أن سؤالي سيغير شيء في العقلية التي يتحدث بها ساستنا ؟ و هل أعتقد أن السيد الإمام هو الإستثناء عن البقية ؟ فقلت بأنني أعرف أنهم جميعا من نفس الطينة ولو كان الميرغني موجودا لوجهت له نفس الأسئلة ، أما عن غرضي من الأسئلة فهو ليس السؤال بقدر ما كان توجيه الرسالة للسيد الإمام بأننا نعرف و نحسب و لسنا كما يحسبنا هو وقومه من المنشغلين بالأغاني و كرة القدم ، بل نحن نمد في الأيام و نعمل في صمت ، فقط أساليبنا مختلفة و منهجنا مختلف و لكننا سنكون لهم بالمرصاد و سيجدوننا أينما حلّوا ...

إنني أدعو الشباب الى حضور مثل هذه المنتديات و توجيه الإسئلة التي ترسل الرسائل بأن على الكهول اعتزال العمل السياسي في الساحة السودانية فلم يعد لديهم ما يقدموه فإنّ فشل حكومة المؤتمر الوطني يشارك فيه بقدر مماثل فشل أحزاب المعارضة السودانية و عدم قدرتها على التعبير عن آمال و تطلعات الشعب السوداني عامة  و الشباب على وجه الخصوص ...

لا أدعوكم للتظاهر أو الثورة بقدر ما أدعوكم للمقاومة السلمية بتشكيل حضور دائم في كل المحافل السياسية و الأدبية و الثقافية و عدم الملل من إرسال الرسائل التي تقول نحن هنا موجودين و قادرين ..

ودمتم

الأحد، 11 نوفمبر 2012

الحافة (4) : إذهب إلى السعودية مريضا و نأتي بشخص آخر رئيسا

حسنا عزيزي القارئ ، ما سأكتبه هنا هو محض أفكار تراودني منذ مقدم رئيسنا الهمام للعلاج في المملكة العربية السعودية ، و لعلها نظرية المؤامرة و عنصر الشك الذي زرعه فينا العصبة أولي البأس بدسائسهم التي لا تنتهي .
لفت نظري "ستاتس" منشور على حائط أحد الأصدقاء في الفيسبوك و هو لا يستبعد ان ما يحدث هو عبارة عن مخطط جديد من الكيزان للهروب ، ومع انني استبعدت ذلك الخيار في البداية على أنني و بعد تفكير ملي وجدتها غير مستبعدة البتة بل أن الكثير من الشواهد قد تعضد هذه النظرية إذا ما وضعناها قيد الإختبار و الأيام وحدها كفيلة بإثبات صحها من خطلها.
أما الخواطر التي مرت على بالي فهي عن التوقيت ! جميعنا يعلم ان المرض "لا أراكم الله مكروها" ليس له توقيت بل هو إبتلاء من الله لعباده ، لكن أيضا ألا يبدو التوقيت غريبا بعض الشيء ؟؟
فجميعنا يعلم أي "زنقة" يوجد فيها الجماعة و جميعنا يعلم أن "أم" هذه "الزنقات" هو أمر القبض الصادر من المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس البشير و أن الحصار المضروب عليه شخصيا يصعّب من أمور قيادة الدولة إلى حد بعيد كما ان معظم دول العالم و على وجه الخصوص الدول الغربية و أمريكا ترفض أي تفاوض مع حكومة السودان في ظل وجود الرئيس البشير على سدة الحكم. و بالتالي قد تبدو المعجزة الإلهية لحكومة المؤتمر الوطني هو مرض يصيب البشير فيقعده عن السلطة في بلد هي من أكبر حلفاء الدول الغربية في المنطقة ، كما انه مريض و يخضع للعلاج و بعيد عن الإعلام ، فيضرب العصبة أكثر من عصفور بحجر واحد ، فالآن بإمكانهم مضغ اللبانة المسيخة للإستهلاك الداخلي بأنهم لم يسلموا كديسا للمحكمة الجنائية كما يمكنهم من الإحتجاج لدى الدول الغربية بأنه ليس من العدل محاصرة السودان بسبب شخص لم يعد موجودا داخل البلاد أو على سدة الحكم حتى ، بالإضافة إلى إعادة تسويق أنفسهم مرة أخرى للشعب السوداني بشخصية جديدة تقدم الكثير من الوعود بأن ما فات قد مات و بأننا موعودون برفاهية سيحسدنا عليها قاطني إمارة دبي ، تماما كما هو ديدنهم.
ما لفت إنتباهي أيضا هو غياب الياوران المرافق للرئيس ، و إني إذ أعتذر بأني لست بذي علمٍ في أمور البروتوكولات الرئاسية و ما إلى ذلك ، على انني دائما ما كنت أرى نفس الياور مرافقا للرئيس في جميع رحلاته الداخلية و الخارجية حتى أن صورته مطبوعة في ذهني تماما رغم عدم معرفتي لإسمه و لذلك كان أول ما لفت نظري عندما رأيت الرئيس البشير يخطب في السفارة السودانية بالرياض هو غياب الياوران المرافق ووجود ضابط عظيم آخر من البلد المضيف ! لا أدري هل هذا صحيح أم أنه يصب في تأييد ما ذهبت إليه !
أيضا عزيزي قف قليلا و تأمل في طبيعة المرض .. الحنجرة !! الكلام !! الثرثرة ... حسنا ، نعلم تماما أن الرئيس عمر البشير هو أكبر مستهلك للشعارات في الحكومة كلها و كثيرا ما سمعنا منه كلاما سرعان ما تم ابتلاعه من شاكلة الحشرة الشعبية و البترول ما حيعتب و لن يطأ أرض السودان جندي أجنبي ، على أني لا أقتنع أن الجزاء من جنس العمل بهذه المثالية ، فلربما يكون إختيار نوع المرض لتبرير الصمت التام منه و عدم الحديث في المستقبل !! لا أدري فكما أقول هي محض أفكار ..
أيضا لاحظنا الغياب التام لأي ترحيب سعودي بالزيارة أو تمنيات بالشفاء أو ما شابه ذلك ، و بحكم معرفتي بالشعب السعودي و مودته فإن ذلك يبدو لي غريبا بعض الشيء و كأنما هناك تنبيه مسبق من السلطات بعدم الخوض في هذا الموضوع و إن بدا غير ذلك ،  ذكرني قليلا بوجود زين العابدين بن علي ، لم نسمع أي شيء عنه من الجانب السعودي و كل أخباره كانت تظهر على شكل تسريبات من قبل بلاده فهل شرب البشير من نفس الكأس !!؟
 هل هي تأشيرة خروج من السودان بإتجاه واحد فقط ؟!؟

إنا ههنا منتظرون .....

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

البديل : الإنتخابات الأمريكية نموذجا

ما من شخص على وجه البسيطة لا يتابع الحدث الأهم على الكرة الأرضية هذه الأيام وهو إنتخابات الرئاسة الأمريكية التي و إن تشدقنا بالسيادة و ما شابه لكن جميع الناس يعلمون أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو الملك غير المتوج لكوكبنا.

إلا ان ما شد إنتباهي في هذه الإنتخابات هو بعض الحقائق التي أثارت تساؤلات أحببت أن أشارك بها قرائي الأعزاء فتعال معي يا رعاك الله لنعقد هذه المقارنة الظالمة بين بلاد النيلين و العالم الجديد و هي مقارنة لعمري ظالمة ولكن كما قال المثل : "سيد الرايحة يفتح خشم البقرة".

يعلم معظم الناس أن مرشحا الرئاسة الأمريكية هما باراك أوباما المرشح عن الحزب الديمقراطي و ميت رومني المرشح عن الحزب الجمهوري ، فمنذ قيام الولايات المتحدة الأمريكية يتنافس هذان الحزبان على الرئاسة و لكن هل تعلم يا قارئي الكريم أن هناك أربعة مرشحين آخرين للرئاسة الأمريكية في هذا العام ؟؟ و هم جيل شتين عن حزب الخضر ، جاري جونسون عن حزب التحرير (أعتقد أن هذا هو إسم الحزب فإن أخطأت فلك العتبى) ، روكي أندرسون عن حزب العدالة و أخيرا فيرجيل جوود عن حزب الدستور.

الإنتخابات الأمريكية بإعتبارها محسومة تماما بين مرشحي الحزب الديمقراطي و الحزب الجمهوري و مع ذلك لم يجلس المرشحون الآخرون في بيوتهم ليقولوا مالنا من نصيب ، بل شدوا رحالهم و طفقوا يجولوا في أصقاع الولايات المختلفة ليعلنوا عن نفسهم و يستقطبوا الدعم لحملاتهم الإنتخابية فتأمل معي يا رعاك الله هذه العزيمة و الإصرار.

الأمر الآخر الذي شد انتباهي و لعلها المرة الأولى التي أنتبه لهذا الأمر هو أن الناخب الأمريكي يذهب كل أربعة أعوام لينتخب رئيس جديد ، بالرغم من أنهم مرفهين و يعيشون في بلد هي القبلة الأولى للهجرة و المهاجرين من كل أنحاء البسيطة شئنا أم أبينا ، فالناخب الأمريكي يا عزيزي لا يسأل : من البديل ؟؟ لأنه يعلم أنه هو من يملك إجابة هذا السؤال ، يعلم أن البديل من صنعه هو و من صنع صوته الذي يعطيه لمن شاء في تجربة هي الأكبر و الأكثر تكلفة على وجه الكرة الأرضية من بين مثيلاتها.

كما أن البلاد لا تجلس لتقول نحن الأقوى و نحن الأغنى و نحن الأفضل في كل المجالات فلا داعي للإنتخابات ، لأنهم يعلمون أنهم أصبحوا الأفضل بالعمل أولا و بالتداول السلمي للسلطة ولذلك ما فتئوا يحافظوا على هذه الممارسة و ينقلوها جيلا بعد جيل لتصل الإستحقاق السابع و الخمسين الذي سنشهده غدا بإذن الله نتمنى لهم التوفيق في  تجربتهم و نسأل الله أن ينعم علينا بأفضل منها.

جمع كل من المرشحين ملايين الدولارات ليتم استخدامها في الإعلان عن الحملة الإنتخابية و الدعاية و هم يعلمون حق العلم أن من يخسر فإن جميع الأموال التي تم إنفاقها و جميع الموظفين الذين شاركوا في الحملة الإنتخابية و كل هذا المجهود سيذهب هباءا منثورا و سرعان ما ينساه الناس لينصب كل التركيز و الأضوء على الرئيس المنتخب الجديد للولايات المتحدة الأمريكية ، فيكون السؤال هو لماذا ؟؟ و أقول لإيمانهم بأحلامهم و بأنهم بالعمل و المجهود و الصبر و المثابرة و التنافس في أجواء من الشفافية و المساواة فإن فرصهم في نيل الحظوة و الشرف متساوية و إلا لما شاهدنا رئيسا من أصول إفريقية يصل للبيت الأبيض ، فتأمل معي يا رعاك الله دولة "الكفر" و البغي كما يطلق عليها بعضنا كيف تمارس الشورى في أحسن صورها !!

الأمر الآخر الذي لفت إنتباهي هو كيف أن بلادهم بالرغم من معاناتها من كارثة تعد هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية ، الإعصار ساندي ، لم تتعلل و تتحجج لتأجيل الإستحقاق الإنتخابي ، و كيف أنهم بالرغم من كل الصعوبات يعملون ليل نهار لقيام الإنتخابات في مموعدها فبالله عليكم هل رأيتم شيئا مثل هذا في أي من بلاد منطقتنا !! سبحان الله ...

إن المواطن الأمريكي و بالرغم من كل الرفاهية التي يعيش فيها و بالرغم من كل الهيبة التي يتمتع بها في بقاع الأرض المختلفة لم يكتفي بهذا و لم يجلس في منزله ليقول أنه لديه ما يكفي ، بل رأينا كيف أنه يذهب كل أربعة أعوام ليأتي برئيس جديد ليزيد له هذه السطوة و القوة و الهيبة ويفرضها فرضا على دول العالم المختلفة عسكريا و إقتصاديا و علميا و أي حاجة زاتو على قول الشباب. لم يجلس في البيت و يتساءل من البديل .. لم يجلس في البيت و يقول "جناً تعرفوا و لا جناً ما تعرفوا ". . فأين نحن و أصحاب الأيادي المتوضئة من كل هذا !!

و آخر كلامي أن الحمدلله رب العالمين على نعمة الإسلام ... و يارب حضرني يوم أمشي أصوت فيهو تصويت حر لرئاسة بلادي .. حر يا رب و ليس مخجوج ...

مودتي التي تعلمون ...

الاثنين، 23 يوليو 2012

الحافة 3: رمضان أحلى في السودان

كان في قديم الزمان بلد إسمه السودان ,,, بلد يقال أنها عاشت دائما على هامش الأحداث ، بلد وسعت كل من قدم إليها مهاجرا من قديم الزمان ، من مصريين و مماليك و رومان و إثيوبيين و عرب مسلمين و أتراك و إنجليز و و و و و ... لم تطرد أحد منهم يوما ما و لم تضق على من هم فيها ... والحياة على هامش الأحداث لو تعلمون تعني أن آهلي تلك البلاد مسالمون و ليسوا بأهل قتال أو دسائس أو حروب ..
كانت بلاد السودان شاسعة و سعتها في أصغر حالاتها كانت مليون ميل مربع ، أي نعم ... مليون كاااااااامل ، مليون ميل مربع ... و فيها خيرات كثيرة ... أنهار و جبال و وديان و غابات و صحاري و فيها أكبر ثروة حيوانية في المنطقة ، و فيها أكبر مزرعة مروية في افريقيا و الشرق الأوسط و فيها سكة حديد و فيها غذاء قيل أنه يكفي العالم.
حال هذه البلاد اليوم أشبه بقصة حزينة ترويها لنا الحبوبة و نحن صغار نتحلق حولها ننتظر منها النهاية السعيدة فكل حكايات الحبوبات لابد و أن تنتهي نهاية سعيدة ، ولا زلنا ننتظر النهاية السعيدة.
حال بلادي اليوم ، بلاد السودان ، هو الفقر و الجهل و الجوع و المرض و التضخم إن كنت تعرفون ماهو التضخم ، فلا نكاد نفيق من صفعة حتى يتبعها العصبة أولي البأس بصفعة أخرى حتى أننا ما عادت تؤلمنا الصفعات بل أمسينا نتراهن على قوة الصفعة القادمة و حدتها ، فنتساءل أي الأوتار سيضربون ، فأبناؤنا ما زالوا في المعتقلات و نحن نستقبل شهر رمضان المعظم و نساءنا ، جُلدنَ و أُغتصبنَ و كُسرت أيديهن و لم نحرك نحن أشباه الرجال ساكنا ، فرجالنا كما نقول ماتوا في كرري ، على أنني أشك أنه كان لدينا رجال في كرري ، فحسب علمي من ماتوا في كرري كانوا حفنة من المُغرر بهم ، ماتوا وهم يدافعون عن الخليفة و دعوة نبوة كاذبة ، مدعيها يكرّم حتى اليوم و ينعت بالبطل. حال البلاد اليوم هو صدارة الأحداث العالمية في أخبار الإرهاب و المقاطعات الإقتصادية و الكوارث الإنسانية ، صارت بلادي عنوانا للفشل و تصنف من أكثر الدول فسادا و نحن نتفرج عليها كما تفرج نيرون على روما وهي تحترق.
في توثيقنا لأحداث البلاد ننقل لكم اليوم أخبار الشتات و كيف أن عدونا ليس كما نحسبه ، فهو نمر من ورق يسترجل على النساء ، و قلوبهم شتى و نحن نحسبهم على قلب رجل واحد . و هنا أنا آتيكم بمثال واحد على شتاتهم و كيف انهم لا يدرون ما يقولون و يقولون مالا يفعلون .
كلكم الآن يعلم بالزيادات التي طرأت على أسعار الكهرباء التي تمت بليل كما هي عادتهم دائما ، يفعلون كل شيء تحت ستار الليل فهو درعهم الوحيد، إغتصبوا السلطة بليل ، يهجمون على داخليات البنات بالليل و حتى خصامهم فيما بينهم (مفاصلة رمضان الشهيرة) كان بليل . الزيادة تمت من غير أي إعلان مسبق ، لم يتم التنويه لها و لم يأتي أحد على ذكرها و حتى هذه اللحظات لم تتكرم علينا الحكومة الموقرة ( عفوا المستعبطة) بتفسير أو تبرير لهذه الزيادات. و كنت قد قرأت عن التسريبات بزيادة الأسعار على موقع الراكوبة الشهير لهم الشكر و هم منبر للصحافة الحرة رغم إختلافنا معهم في كثير مما ينشروا إلا أنهم و الحق يقال منبر لحرية الرأي في أسافير بلادي ، فبعد أن قرأت خبر التفسير تساءلت على صفحتي في الفيسبوك عن صحة الخبر و لم إجد إجابة شافية بالأمس ، على أنني صحوت اليوم لأجد شقيقي ينشر صورة لفاتورة كهرباء قد اشتراها بنفسه لمنزله و عليها تبيان للأسعار و ذكر كيف أنه بنفس المبلغ (300 ألف) كان في السابق يشتري 1200 كيلو وات و الآن بالكاد تحصل على 842 كيلو وات و أنه سيحتاج لمبلغ 700 ألف ليشتري نفس الكمية السابقة . و منزل أخي هذا يعيش فيه هو و زوجته فقط . فبالله عليك تخيل معي يا رعاك الله كيف سيعيش من لديه أسرة من ستة أفراد !!؟؟


الصورة اعلاه توضح لك يا هداك الله الفاتورة مكان النقاش ، إلا و أنني لم يكن هذا ما أدهشني بقدر ما سأرويه لك في الأسطر القادمة فاعرني اهتمامك لترى كيف تدار بلادك و كيف يتم الضحك عليك ..

حسنا من منكم لم يسمع بالجيش الإلكتروني للدفاع عن السودان ؟؟ طبعا أكيد جميعكم تعرفونه .. فأنا صراحة من كبار المعجبين بهذا الجيش و لا يكاد يمر يوم لا تجدني أزور صفحتهم حتى أضحك قليلا و اتندر و كنت على جهل مني أحسب أنهم لهم قيادة و يتبعون لجهاز الأمن أو جهة ما متغلغلة في أوساط العصابة الحاكمة و تمدهم بالمعلومات الدقيقة جدا حتى يتمكنوا من الدفاع عن البلاد ضد من يقولون عنهم خونة وعملاء ، كما انني على نفس جهلي كنت أحسب أن حدثا مثل زيادة أسعار الكهرباء لا بد و أن يتجهز له جيشنا الإلكتروني الهمام بالعدة و العتاد لرد جحافل المخربين الإلكترونيين الذين لا بد و أن يستغلوا مثل هذا الحدث لاستثارة المواطن الذي مات قلبه و ما عاد يحرك فيه محرك. 
بيد أني بلغت مني الدهشة مبلغها و انا الذي حسبت أنني فارقتها في عهد العصبة أولي البأس ، فقد وجدت نفس الصورة التي نشرها أخي على صفحة الجيش الإلكتروني و معنونة بـ "عااااااااااااااااااااااااااجل" و اتبعوا عاجل بكثير من الخطرفات كما هي عادتهم دوما ، توقفت قليلا لأتفهم ما وراء هذه الصورة !!!! يا الله ! إن جنود جيشهم نفسهم لا يعلمون شيئا عن الزيادات و يبدو أنهم على جهلهم و عبطهم فعلا كالنعاج يقادون !! حسنا أترك لكم الصورة لتتحدث يا أعزائي ...

ما وراء هذه الصورة الكثير الكثير ، فقط لو نعقل و نقف قليلا لنقرأ و نستنتج : إنهم لا يعلمون ما يفعلون ... قلوبهم شتى و بلغ منهم الجهد مبلغه ... قليل من الطرق و سنسترد بلاد السودان ...
على صعيد آخر كانت هناك وقفة اليوم أمام مجمع محاكم الحاج يوسف لدعم المعتقلين ، قام الرباطة بعدها بالهجوم على الحضور و اعتقلوا عدد منهم " خالد عمر ، صلاح نادر و عمر عشاري" ...



كما قاموا بالإعتداء على الدكتورة سارة حسبو التي ما فعلت شيئا سوى أنها مدت يدها لتحية المفرج عنهم فقاموا بكسر يدها ...



بالله عليكم رجل يضرب إمرأة لا تحمل شيئا و يكسر يدها .. ماهو حكمكم ؟؟

أخيرا و ليس آخرا أترككم مع الحديث الشريف : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر" حديث صحيح ...


الأربعاء، 11 يوليو 2012

الحافة : الجامعة جامعة حرة و العسكري يطلع برة




ألتقيكم اليوم أحبتي في توثيقي للأحداث التي تمر بها بلادنا عبر سلسلة الحافة ، و اليوم نستعرض أهم الأحداث في خلال اليومين الماضيين.
عنوان تدوينتنا اليوم "الجامعة جامعة حرة و العسكر يطلع برة" و هي مقولة لا بد وأن يكون قد هتف بها أي طالب درس في جامعة الخرطوم و يعرف أثرها على القلب و الجسم فهي ترفع الأدرينالين في أجسام قائليها و تحمسهم للوقوف ضد العسكر عند هجومهم على الجامعة لإعتراض المتظاهرين لأي سبب كان و قد هتفت بها إبان دراستي في الجامعة في عام 2002 في التظاهرات الشهيرة المطالبة بعودة إتحاد جامعة الخرطوم و تسببت في إغلاق الجامعة لفترة فاقت السبعة أشهر.
أما اليوم هتف بها طلاب الجامعة وهم يطالبون بإسقاط النظام و ردا لربيع عبدالعاطي الذي استفزهم في برناكج الإتجاه المعاكس وهو ينفي وقوع أي مظاهرات في الخرطوم بل وزاد أن المواطنين ينعمون برغد العيش و ذكر أن معدل دخل الفرد في السودان في حدود 1800 دولار ، و أنا شخصيا لا أدري ماذا يقصد من ذلك ؟ فإن كان يقصد بها معدل الدخل السنوي فقد صدق فالسودان يقبع في ذيل قائمة معدل الدخل السنوي للأفراد في العالم و لا يبزه إلا دولة الصومال بمعدل دخل يبلغ 1300 دولار في العام ، أما إن كان يقصد متوسط الرواتب الشهرية فذلك هراء لا يستحق حتى عناء الرد عليه.

خرج طلاب الجامعة في أبلغ رد على المدعي ربيع عبدالعاطي و هم يقولون له ها نحن ذا الذين نعد على أصابع اليدين نستطيع إيقاف الحركة المرورية في أحد أكبر و أهم شوارع وسط الخرطوم شارع الجامعة كما أنهم أكدوا على استمرارية التظاهرات و حتى تحقيق كل مطالبهم و أولها رحيل النظام.




هناك أخبار عن إطلاق كثيف للغاز المسيل للدموع و القنابل الصوتية كما ورد على صفحة الفيسبوك للدكتور عصمت محمود أحمد ، نائب عميد كلية الآداب في الجامعة و التي تم إعتقاله على إثرها بعد ذلك بسويعات قليلة من شارع الجامعة بحسب شهود العيان. كما أن هناك أخبار أيضا عن إطلاق رصاص حي في محيط الجامعة و إعتقال كميات كبيرة من الطلاب بعد محاصرتهم داخل الحرم الجامعي لساعات و إمطارهم بالغاز المسيل للدموع.

أنباء بعد ذلك عن تمشيط الجامعة بواسطة الرباطة و المليشيات الأمنية المختلفة و إخلاء الحرم الجامعي من كل الطلاب بداخله و إعتقال الطلاب بصورة غير مسبوقة و اقتيادهم إلى اقسام الشرطة المختلفة و مراكز الأمن للتحقيق معهم.






كما أن هناك شائعات في تويتر الآن عن طلب وزير الدفاع و الأجهزة الأمنية من مدير الجامعة بإغلاق الجامعة اليوم و إلى أجل غبر مسمى بالإضافة إلى إخلاء كل الداخليات قبل صباح يوم غد حتى يسهل للأجهزة الأمنية السيطرة على التظاهرات.




ختاما : أقول مع طلاب الجامعة ، الجامعة جامعة حرة و العسكر يطلع برة ....

الاثنين، 9 يوليو 2012

الحافة : قصة بلاد النيلين في 2012.







اليوم و كل الأيام القادمة ، تلتقون معي أحبتي في سلسلتي الجديدة لمتابعة الأحداث الحالية في ربوع بلاد النيلين ، وهي محاولة مني للتوثيق اليومي لما يحدث في البلاد آملا نشرها كاملةً في يوم تنعم فيه بلادنا بالحرية حتى تعلم الأجيال كيف هو تاريخ البلاد بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة و الرؤية الموجهة ، فكلي عِلمٌ أنه في حالة نجاح هذه الثورة ستسعى كل الأحزاب السياسية السودانية بكل ما أؤتيت من قوة إعلامية إلى تجيير الثورة لصالحها و أنها ما كانت لتقوم لولا وجودهم في الساحة السياسية السودانية.

أما الإسم فقد إخترته لأنه برأيي يعبر عن الحالة التي تعيشها بلادنا اليوم ، فهي حرفيا على الحافة ، فإما هوينا و إما اجتذبناها نحو بر الأمان بتعاوننا مع بعضنا البعض .
 سأقوم بصورة دورية شبه يومية محاولة تدوين وجهة نظري و هي ليست بشيء صواب أو خطأ بقدر ما هي وجهة نظر لمواطن سوداني مهموم بشأن بلاده.

و تدوينة اليوم هي مقدمة وشرح لما يتبع من تدوينات ستقوم بجرد الأحداث على أهميتها و إنعكاساتها على مستقبلنا و مستقبل بلادنا. وقد فكرت أولا في إنشاء مدونة منفصلة بعنوان الحافة ، إلا و انني منعا للتشتيت و لعلمي مسبقا بأن معظم إن لم يكن كل تدويناتي في مقبل الأيام ستدور حول أوضاع البلاد فقد قررت كتابة سلسلة الحافة ضمن مدونتي الشخصية و كما قلت أملا في نشرها يوما ما في كتاب يجمعها كلها إذا ما قدر الله لنا الحياة في وطن ديمقراطي.

سأبدأ أولا بالتعليق على مكالمتين هاتفيتين كنت قد أجريتهما ليل أمس مع أخي و أحد أقرب أصدقائي و بالطبع تناولنا فيها شأن البلاد بالتعليق و محاولة التنبأ بما قد يحدث و قد سمعت منهما لا أدري إذا ماكان قد أثلج صدري أو أدمع مقلتي فهلموا لنرى ماذا قالوا:
فقد أجمع الإثنين على أن الوضع في البلاد على شفا جرف هاو ، وكيف أن السلطة لا تدري كيف توفق أوضاعها مع شعبها ، حدثوني عن توقف جميع حملات المرور المسعورة التي كانت من ثوابت شوارع العاصمة القومية كما يحلو لنا أن نطلق عليها في محاولة من العصبة لتجنب استثارة المواطنين ، كما حدثوني أن العصبة أولي البأس قد رفعوا الحظر عن جميع المواقع الإباحية في محاولة رخيصة منهم لتشتييت الشباب و شغلهم ، على انني ارثى لحال حكومتي إذا كانت تظن أن جل ما يشغل عقل شبابها هو الإباحية ، فبالله عليكم خبروني كيف بمن هو جائع أن يشبع شهوة !؟
و اما الحدث الآخر الذي حدثني عنه صديقي فكان يتعلق عن أزمة قد تشهدها البلاد قريبا تتعلق برغيف الخبز و كيف أن الحكومة قد قررت تخفيض الكوتة المقررة لكل المخابز و هذا محصلة شح المخزون الإستراتيجي من العملة الصعبة . أخبرني محدثي أيضا عن شائعات في العاصمة لإجتماع بين حاتم مالك (من أسرة إبراهيم مالك ، المالكة لمجموعة ويتا للغلال) و بين شعبة الأمن الإقتصادي ، و كيف أن حاتم مالك ذرف الدموع (حرفيا) حزنا على ما آل إليه حال البلاد و عن استحالة عملهم في ظل الظروف الحالية بما أن بنك السودان المركزي قد أخل بالإتفاق بينهم على تزويدهم بالعملة الصعبة لشراء إحتياجات البلاد من القمح من السوق العالمي ، كما أن الشائعات تتحدث أيضا عن سفر حاتم مالك إلى الولايات المتحدة الأمريكية و إغلاقه لجميع هواتفه النقالة لعلمه بما سيؤول إليه الوضع في مقبل الأيام. و تتحدث الشائعات أيضا عن إغلاق مصانع و مطاحن ويتا للغلال لأبوابها في مطلع الأسبوع القادم أو بعده.

الحدث الثاني الذي يستحق التعليق عليه اليوم هو الإجتماع التاريخي لأطباء السودان في مستشفى الخرطوم و إعلانهم عن تكوين نقابة الأطباء في تحدي واضح و معلن للعصبة أولي البأس ، و بالرغم من التساؤلات التي تدور في خلدي بكيفية سماح العصبة بتكوين جسم نقابي في ظل الظرف الحالي للبلاد و سماحهم بقيام الإجتماع من أصله إلا أنني لا يحق لي أن أحكم بما لا أعلمه  و بحكم انني من هذه الفئة المظلومة  ( فئة الأطباء) فإنني أولا أهنئ نفسي و كل زملائي بنقابتنا و عسى الله أن يحق بها الحق لتكون السيف الذي نقاتل به العصبة ، و ننتظر منهم أفعالا لا أقوالا حتى يزول الريب الذي حاك في قلوبنا تجاه سهولة تكوينها و وقوف العصبة موقف المتفرج منها. ننتظر منهم إنتزاع حقوق المرضى قبل الأطباء و إعادة الحياة لمؤسسات البلاد الصحية التي شاخت و أصبحت في حد ذاتها سببا لقتل مواطني بلادي بنقص المعدات و قلة الكوادر العاملة و ضعف تدريبها.

الحدث الثالث وهو خروج مظاهرات متفرقة في مجمع شمبات جامعة الخرطوم ثم تبعهم اخوتهم في مجمع شمبات جامعة السودان و هي أحداث أصبحت شبه عادية لتكرارها في الأيام السابقة.
سأختم اليوم بخبر يمر في الشريط الإخباري المتحرك في قناة النيل الأزرق عن نقلهم للقاء مزمع موجه من علي عثمان محمد طه لعموم الشعب السوداني يناقش فيه الأحداث الحالية و الأوضاع في البلاد ، فيا ترى ماذا سيدعونا في هذه المرة بعد أن وصفنا بالكسل في المرة السابقة !! ماذا سيرينا هذه المرة بعد أن أطلعنا على تفاصيل راتبه (القليل جدا) في المرة الماضية ؟؟ هل سيطلعنا على فيلته و مزرعته كما فعل السيد الرئيس في لقاءه مع النيل الأزرق؟        حسنا ، دعونا لا نسبق الأحداث ، فقط نصيحتي لمرضى السكري و الضغط بأن يتأكدوا بأنهم قد تناولوا أدويتهم قبل بداية الحلقة ، كما انني أنصح مرضى القلب بعدم مشاهدة اللقاء حرصا مني على صحتهم و إلا ... لا يلومون إلا أنفسهم .....

الجمعة، 6 يوليو 2012

جمعة الخذلان

 أولا التحية لكل الشباب الذين اعتصموا اليوم في مسجد الإمام عبد الرحمن في ودنوباوي ، التحية لأفراد قالوا كلمة الحق في وجه سلطان جائر فلم ترهبهم التعزيزات و التهديدات و الرباطة ، التحية أيضا لجنود مجهولين أنا أعلم بأنهم خرجوا اليوم من بيوتهم بحثا عن مظاهرات حتى يشاركوا فيها فلج يجدوا ما يرضيهم و عادوا إلى بيوتهم و الإحباط يملأهم.
ثم أما بعد ، وددت لو كنت أملك من الشجاعة ما يمكنني من القول بالفم المليان أنها كانت جمعة فاشلة بكل ما تحمل كلمة الثورة من معاني ، فوالله احتجاجات طلاب جامعة الخرطوم للمطالبة بعودة إتحادهم في عام 2002 كانت أكثر عنفا منها ، فقد شهدنا فيها العسكر وهم يدخلون المسجد بأحذيتهم و يجرون الطالبات جرا خارجه و يمطرونهم بالسياط كما شاهدناهم و هم يعتدون على نائب عميد كلية الطب في ذلك الوقت  الدكتور صلاح و الدكتور عمار الطاهر العميد الحالي لكلية الطب بالضرب و الركل و مع ذلك لم يخرج أحد ليقول إنها الثورة ....!! فمالذي يحدث ؟؟

كما اود أيضا ان اعتذر مقدما إذا أصاب رشاش من قلمي بعض قرائي، لكن الموضوع بعيد عن الشخصنة . الموضوع ببساطة شديدة .يختص بشعب و حالته ، كل شخص فينا له  رؤيته و فكرته و حلوله التي يقتنع بأنها صحيحة و دعونا نتفق على أن نختلف.
شاهدنا في ثورة اليوم كما نحب أن نطلق عليها 150 معتصمين في مسجد الإمام عبدالرحمن في ودنوباوي يتعرضون لحصار خانق من الرباطة و شرطة النظام ، شاهدنا قذف البمبان داخل المسجد ثم إصطياد من يخرج من النشطاء للخارج ، ثم شاهدنا دعوات و استنجاد بالأحياء المجاورة لنجدة المواطنين و المواطنات داخل المسجد ، كما سبحان الله شاهدنا أيضا فتية يلعبون كرة القدم أما نفس المسجد المحاصر و كأنهم ليسوا من هذا الشعب.
أنا رأيت أن كل الشعب هو من لعب كرة القدم اليوم و أن قلة قليلة هي التي كانت الإستثناء، لماذا ؟؟

 أقول  ببساطة لأن 150 المعتصمين هم الوحيدين الذين خرجوا الليلة في حين التزم بقية الشعب منازلهم بالكامل في موقف أقل ما يمكنني أن أقول عليه الجبن أما لاعبي كرة القدم فهم قمة الإحباط عندما تلعب كرة قدم أمام إخوتك و هم يدافعون عن حقك في لقمة العيش الكريمة. 150 في كل العاصمة القومية هم فقط من خرجوا و التزموا و الباقيين متفرجين ، فتأمل. 
أما فيما يختص بذهاب النظام فأنا متأكد بأنني مازلت على  قناعةً تامة بذهابه و معظمكم يشهد لي بذلك فما فتئت أٌبشر بذهابهم منذ عامين و نيف ولو راجعتم التايم لاين لأدركتكم كذلك ، بل أن مجموعة من المتحدثين هنا طالما وقفت لي بالمرصاد لتقول أن الأمور على ما يرام و أن النظام باق لأنه الحل الوحيد للسودان و السودانيين ، على الأقل في الوقت الحالي أو كما يقولون. 
أما الآن فازدادت قناعتي بذهاب النظام إلا أنني ما عدت اثق في أننا لنا القدرة على إقتلاعه في هبة شعبية كما كنا نأمل . سيذهبون لعدة أسباب أولها تنازعهم هم أنفسهم فيما .بينهم و آخرها الذي تختلفون فيه معي هو لجبننا.
قبل ساعة أو أقل كنت أتكلم مع أحد أقربائي في الحكومة وهو دستوري ، وبرغم إختلاف وجهات نظرنا السياسية إلا أن أواصر القربى و المودة بقيت بيننا قوية جدا فلا زلنا نتواصل مع بعضنا بصورة شبه ثابتة. مازحته قائلا : شايف الجماعة عاصرنكم !! فرد علي بحنق و غضب والله العظيم أول مرة أسمعه منه : ديل ناس ما جادين ياخ !! ثم أردف: والله كلنا مؤمنيين بالتغيير و بالوضع الصعب لكن ياخ خليهم يعملوا ليهم مظاهرة جادة شوية عشان نحن زاتنا نعرف نساعدهم !!! ثم تفرع الحديث و تشعب إلى تفاصيل ليس هذا المكان المناسب لذكرها.

ما أود قوله هو : أكرر بأن الموضوع ليس عني أنا أو عنك أنت قارئي العزيز ... الموضوع عن حالة عامة تسودنا. و كلنا متفقين على أن عدونا واحد و على حتمية التغيير . إلا أن إختلافي معكم هو في جدواه إذا استمر بالطريقة الحالية ، و هي نظرية معروفة في العسكرية إسمها : الحماس بيغطي على الغلط. و التي في النهاية غالبا ما تنتج عملا مشوها مليء بالأخطاء و التناقضات. 

فمن الواضح تماما بأن هذا الشعب لا يزال في غيبوبة تامة عن واقعه بسبب اللبانة التي يلوكها و هي الثورات السابقة . وأقول لهم هذا عهد جديد و حياة جديدة و نظام جديد ، من المحال ان نصل إلى نفس النتائج إذا استمر العمل بهذه الطريقة. دعوني أقول ليكم شيئا واحدا أنا متأكد منه و الله أعلم منا جميعا وهو أن الجمعة القادمة لن يخرج أحد . هذا ليس رجما بالغيب بل هو قراءة بسيطة لما تسير عليه الأمور.
يجب علينا أن لا ندفن رؤوسنا في الرمال و نتجاهل أخطاءنا ومشاكلنا لنطمئن انفسنا بالنجاح ... يجب علينا أن نعرف نقاط ضعفنا و نقاط قوتنا حتى إذا ما تملكناها عرفنا كيف هو الطريق الأمثل لاستغلالها.
لو كنا نخاف من المظاهرات و الضرب و السخانة ، لا مشكلة في ذلك البتة ، فلنسلك طريقا آخر غيرها و لنعمل على توعية الشعب الخائف بطريقة تكفل له حياته و حياة أطفاله و في نفس الوقت قد تؤدي إلى إسقاط النظام و لنا في العصيان المدني خير مثال.

فيما رأيته في الأيام الماضية فقط من إنتكاسات و تخاذل ، سيذهب النظام من تلقاء نفسه ، تماما كما جلس الجن يعمل مسخرا في خدمة نبي الله سليمان لمدة 300 عام و الذي لولا دابة الأرض لظل يعمل إلى يومنا هذا فسبحان الذي جعلنا مسخرين و خانعين و خائفين لصالح نظام أقل ما يمكنني قوله أنه مات منذ عام و نصف أو على الأقل يوم إعلان الإنفصال و لكن كيف ندري !؟ 
شعبنا الذي آراه سينتظر مليشيات نافع و علي عثمان تخرج إلى الشوارع لتقتتل فيما بينها و تبيد بعضها عما آخره حتى إذا ما أجهزوا على بعضهم البعض خرجنا إلى الشوارع لندعي الثورة الثالثة و تكتب في كتب التاريخ و ندرسها لأطفالنا كيف أننا اقتلعنا 
نظاما شموليا و نصدق كذبتنا التي سوف ندعي. 


و الأيام بيننا ...

الأربعاء، 4 يوليو 2012

رسالة إلى مواطن رعديد

الرعديد لغة هو الجبان كثير الإرتعاد عند القتال.

هل أنا حقا  رعديد؟؟
سؤال تُهت و أنا أبحث عن إجابته ، فبين صفحات الكتب و المواقع حار دليلي ، كل يوم أنا في حال ، يومٌ راضٍ عن نفسي  ويوم آخر ألومها و أبث شكواي منها إليها فلا هي ارتاحت و لا أنا وجدت مبتغاي . على أنني عندما لا أجد مبتغاي فإني ألجأ لأسلوب الفرضيات و هو أسلوب علمي متبع في العلوم التطبيقية و يعرفه كل العاملون بها.
بلادي و ما أدراك ما بلادي ، حالها يُغني عن السؤال ، و لكن حال شعبها يُثير ألف سؤال و سؤال !
أخبرونا في المدارس عن أبطال عِظام و عن ثورات غيرت مجرى التاريخ ، كبرنا و عقولنا مليئة بهراء عن المهدية و بطولاتها و كيف أنها دحرت قوات المملكة التي لا تغرب عنها الشمس في معارك كتبت بدماء الأشاوس إلخ إلخ إلخ إلخ 
ثم تكبر قليلا لتأتيك بعض المعلومات التي تناقض كل ما تربيت عليه ، قائد أعظم ثورة في إفريقيا كان مدعي نبوة !؟!؟ يا إلهي ..!! ثم تتجرأ لتبحث بنفسك لتتفاجأ بالحقيقة المُرة ، أنها كانت ثورة جياع لا أكثر و لا أقل و أن فتح الخرطوم الذي حدثونا عنه لم يكن سوى مجموعة من الأهالي التي هاجمت رجلا أعزل لتقطع رأسه و تفرح به ، ثم تعدم كميات مهولة من المصريين و تسبي نساءهم و تسجن البقية  بدعوى أنهم كفار لأنهم لا يؤمنوا بالدعوة المهدية. و تبدأ حقبة الدعوة كما أسموها لنشر النور في العالم كله.
و يموت محمد أحمد (المهدي) ليرث الدولة رجل أقل ما يقال عنه بأنه جاهل ليذيق الشعب الأمرين على يديه ، لتتدهور حالة البلاد و تصل مرحلة يقف أهاليها فرحا بغازي لا هو منهم و لا حتى يدين بديانتهم هربا من البطش الذي عانوه على يد الخليفة و جنده. 
نعم لم يثوروا ضد كل الظلم و لم يقفوا ليقولوا لا ... بل ألفوا الأشعار طمعا في نجدة من ثاروا عليهم و دونك قصيدة الحردلو الذي قال فيها :  

أولاد ناس عزاز متل الكلاب سوونا 

يا يابا النقس يالانجليز الفونا  

فما أشبه اليوم بالأمس ..
خرج علينا من تلبسوا بعباءة الدين ووالله لولا الزمان غير الزمان لادعوا النبوة فينا ، بيد أن موضوعي اليوم ليس هو العصبة أولي البأس فهم قد شبعنا فيهم تقتيلا و تمحيصا. بل اني وددت لو طرقت موضوع خنوعنا و ذُلنا و قبولنا لكل أشكال المهانة التي لم يوجد شعب في التاريخ تقبلها غير بني إسرائيل مع فرعون ولا أجِدنا ببعيدين عن حالهم فالعصبة أولي البأس ذبحت أولادنا مرة بإسم الحروب الجهادية و مرات أخر بإسم التمرد و استحيت نساءنا في جبال النوبة و كردفان و ما فتئنا نهلل لهم كلما رموا لنا عظمة فأي الشعوب نحن ؟؟
أعلم تماما أي منقلب سيعود به كتابي هذا إلي و لكني وددت لو فتحت نافذة عسى أن يدخل منها الضوء لنقف مع أنفسنا مرة و نراجع الحال الذي وصلنا إليه أو لعلها جينات أجدادنا الذين استجابوا لدعوة من قال أنه المهدي.
تدعو للتغيير فيقف أقرب الناس منك موقف سخرية في أحيان كثيرة ، فمنهم من يدعوني مناضل الكيبورد و آخرين يطلبون مني الصمت بما أني لا أعاني شظف العيش معهم و لا يدرون أني أعاني ما هو أمرَّ من الجوع ، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
 لا يدرون كيف هو الإحساس و أنت في بلاد الغربة تستمع إلى عقد الجلاد في رائعتهم " إيدينا للبلد" : كان أخويا البرة جانا والله يصلح الحال معانا . فتفر منك دميعات و أنت تخاطب نفسك مقهورا : (لكن انا  أخوهم البرة ..!!) .. لا يدرون مرارة الحزن و الدموع و خالك يفارق الدنيا ثم عمك ثم ابن اخيك و لا تراهم و لا تقبلهم و لا تقل لهم وداعا .. لا يدرون كيف هي الليالي وانت تعلم أن خالة لك مريضة و انت الطبيب المداوي و أن ابنة عمة لك تزوجت و لم تكن هناك لتفرح بها و معها ... يا الله .. رحماك.
فبيننا نحن معشر المغتربين الذين تركنا البلدة الظالم أهلها و بين أهلنا الذين ضٌربت عليهم الذلة و المسكنة وقفت العصبة.
فمن هو عدونا الحقيقي ؟؟
 هم أم نحن أكبر أعداء أنفسنا ؟؟
هل عندما أنعت نفسي و قومي بالجبن أكون قد أتيت أمرا نٌكرا أم أننا فعلا شذاذ آفاق و مدعي بطولات و لا يناسبنا سوى العصبة ليحكمنا ؟؟
هل عندما نخرج للشارع لنثور في وجه الطغاة نكون ثرنا لكرامتنا و لحقنا في الحياة بشرف و إنسانية أم أنها ثورة جياع ستأتي لنا بالخليفة المهدي مرة أخرى الذي لا شك أنه مشغول في تطريز جلباب الرئاسة أو الملكية ، فلا نعدو نحن أن نكون إحدى ضيعاته أو كما ينظر هو إلينا ... فتأمل !!
عزيزي المواطن : أي الأقسام أنت ؟ هل أنت من المغتربين أم من الذين ضربت عليهم الذلة و المسكنة أم أنك من العصبة أولي البأس ؟ أيهم كنت سيان ، فكلنا نستحق ما يحدث لنا.
هل تؤمن بجدوى التغيير ؟؟
 متى ؟؟
الآن أم تعتقد أن البلد في منعطف خطير كالعادة ؟؟
هل أنت متأكد أنك قادر على إسقاط النظام عندما تقرر الخروج للشارع أيضا كالعادة ؟؟ 
أم أنك مشغول بعمل مهم كالعادة أيضا ؟؟
والله أنا أعجب لأم و أب ينام إبنهم في المعتقل ولا يفعلون شيئا سوى الإنتظار ..  

تهاتف أهلك و معارفك و أصدقاءك في السودان لتسألهم عن حالهم فيكون جوابهم: حالة زي الزفت والله !!
 و إذا سألت عن أخبار المظاهرات تأتيك ردود من شاكلة : والله ديل ناس ما عندهم موضوع !! أو : ياخي مافي أي مظاهرات دة كلام ناس انترنت ساي !!
 أما عندما تسألهم عن ماهي الحلول عندهم فيجيبوك بكل بساطة : والله انا خلاص طالع من البلد دي. و لا تدري هل تفرح لقربهم منك أم تبكي البلد ...
 وفوق كل هذا و ذاك إياك ثم إياك أن تحاول أن تشارك أو تعلق على حال البلد ، فيأتيك الرد سريعا : إصمت فأنت لا تعاني ..
تحاول أن تناقش قريبك العاطل عن العمل و يقضي جل وقته على الفيسبوك لتسأله كيف هو حال البلد ؟؟ ليجيبك : خلاص داير تقلبها لينا سياسة ؟؟
 فسبحان الله !!
بالله عليك إذا قرأت هذه المدونة و لم تكن من أحد هذه الفئات فتواصل معي و أخبرني .. فأنا بحاجة للأمل حتى لا أفقد الثقة في نفسي قبل شعبي ... وددت لو أعلم أن لبلادي جند .. إن دعا داعي الفداء لم يخونوا ، يتحدوا الموت عند المحن ..
و آخر كلامي ، لو أزعجك حديثي و لم تتفق معي فلا تتضايق .. ففي النهاية أنا مجرد شخص شاذ الأفق ..


الجمعة، 23 مارس 2012

سنة أولى سيـــــــــــــــــــــــــــــــاسة

             شهور عديدة منذ أن لامست أناملي كيبوردي سعيا للقاءكم أحبتي و لكن للضرورة أحكام كما يقولون ، فبين سعي لرزق و إنقطاع لدراسة تتسرب الأيام من حياتنا و تجري السنون و نحن لا نشعر ، حتى إذا ما اشتعل الرأس شيبا تحسرنا على ماض و تساءلنا لِمَ لِمْ نقضيه بين أهلنا و أحبتنا؟؟  لِمَ لمْ نقضيه في الوطن؟؟ هل نحن المخطئون عندما نسعى لطلب الرزق و تحقيق الطموحات لتأمين المستقبل لنا ولأسرنا؟؟ أم أنه السلوك الطبيعي للإنسان ؟!
           تساؤلات كثيرة تدور في البال و كل يوم نحن في حال ، فتارة نؤمن بأن ما نفعله الآن هو الخيار الصحيح فيما يتعلق بتأمين المستقبل لنا و لأسرنا الصغيرة و تارة أخرى تعترينا مخاوف كثيرة تتراوح بين ايهما أولى؟ القلق على الوطن أم القلق على الأسرة ؟؟
           لكل رأي متبني و لكلٍ حسنات و مثالب ،على أن الوسطية لا غبار عليها و يختلف الخيار الصحيح بإختلاف الزمن ، فإذا ما كان الوطن مثخن بالجراح كما هو حال وطننا اليوم أعتقد والله أعلم ان الواجب أن نعمل كرجل واحد لتضميده و من ثم النهوض به ، فإذا ما وصلنا بر الأمان وجب علينا الإهتمام بأسرنا الصغيرة و تنشئة أطفالنا على حبه و الإهتمام به ، فبهم سوف ينهض و يتقدم.
 السؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف الطريق إلى تطبيب جراح الوطن ؟؟
 ماهو المطلوب ؟؟؟
              حتى وقت قريب لم أكن من المهتمين بالسياسة لا من قريب أو من بعيد ، بل إنني و كما يقول أصدقائي من حزب البهجة حتى أكملت دراستي الجامعية و تخرجت إلى رحاب دنيا العمل و كنت ساعتئذٍ شاب طموح مقبل على الحياة بذراعيه و كلي ثقة في أن المستشفيات قد اكتسبت آس ماهر و مداوي لا يفوقه إلا ابن سينا و قليل ممن رحم ربي ..
              و لا أنسى جلوسي و والدتي معي و محاولتها إثناءي عن مغامرة العمل في الوطن بل وتشجيعها لي على الهجرة بأعجل ما يكون ، فرفضت بكل بساطة لقناعتي الراسخة بأن للأوطان في دم كل حر يد سلفت و دين مستحق. وكانت تنتهي نقاشاتنا دوماً إلى أن تدعو لي بالهداية و التوفيق !! و لشد ما تعجبت ، كيف تدعو لي أمي بالهداية و خياري هو الهداية كلها ؟! فما العيب في أن ترفض الهجرة و تختار وطنك مكانا وحيدا للحياة و البذل و العطاء و المنافسة بشرف ؟
          و كما تعلمون يا سادة يا كرام فإن الوظائف في بلادي لا يعلن عنها في الصحف ولا يتم الترشيح لها  عبر لجنة الإختيار للخدمة العامة بل هي أرزاق يرزق بها الله من يشاء من عباده بطرق لا نقول فيها إلا سبحان الله و له في خلقه شئون .
ولكن أحمد الله أن وظيفتي الوحيدة في السودان و إن لم تكن عبر الصحف إلا و أنها حمدا لله كانت بعد معاينة أجبت فيها على كل الأسئلة التي وُجهت لي ،و لا أخيفكم سرا إن قلت أنني لم يكن لي أدنى أمل في الفوز بتلك الوظيفة لظروف تعلمونها جيداً. فسبحان من يرزق من يشاء بغير حساب.
           لم تسعني الفرحة و أنا أقول لنفسي أن أمي أخطأت و أن الله يساعدنا في خياراتنا و إن كانت ضد رغبة الوالدين طالما هناك هدف أسمى.
ثم تسنمت سماعتي و توكلت على الحي الذي لا يموت و كانت أيام ..
اكتسبت مهارات عديدة و لي ذكريات اتمنى ان تسعفني الدنيا على ذكرها  وربما في يوم ما نأتي عليها و لكن خلاصة التجربة كانت إكتئاب نفسي كاد أن يوردني مورد التهلكة لولا لطف الله و رحمته فكان القرار بترك العمل و الجلوس في البيت لخلاصة مفادها أن العمل بهذه الطريقة و في هذا الجو سيقضي على حياتي قبل أجلها فكم من حي وهو ميت و لا يدري.
مضت أيام قليلة فقط و اكرمني الله بعملي الحالي الذي و على علاته يقيني شر الحاجة و السؤال و المذلة فكانت الغربة و ما أقساها...
و الغربة هي حالة جسدية و نفسية قد لا يفهمها إلا من يقاسيها و عندها فقط سألت نفسي السؤال الذي أطرحه عليك يا سيدي الكريم :
 ماهو السبب لكل الذي يحدث لنا ؟؟
  و إن كنت أنا من أوائل أقراني الذين هاجروا إلا أنهم لحقوا بي تباعا و منهم من ينتظر. فكانت أولى فوائد الغربة التي اكتشفتها أنها توفر لك زمنا للإطلاع و القراءة تفتقده بشدة في السودان سعيا خلف رزق أو قضاء لمجاملة ، و كانت رحلة البحث عن الحقيقة التي ماتزال متواصلة إلى لحظة كتابة هذه الخواطر.
  في خلال أول اسبوع توصلت إلى المعادلة الخفية التي تفسر كل ما يحدث لي و لك و لها و له و لهم و لهن في ربوع السودان الحبيب.  و أدركت حينها أن السياسة هي سبب هجرتي و سبب فقرنا و سبب زواجي و زواجك و سبب مرضي و مرضك و بشكل رئيسي هي العامل المساعد في كل التفاعلات التي تحدث من حولنا و لكننا فقط لا ندري ، و مردّ الجهل في هذا الشيء هو حقيقة الرسالة الخاطئة التي بعث بها آبائنا إلينا عند دخولنا الجامعة وهي : "إياكم و السياسة"!
لا أدري لِمَ يحذرنا أهلونا من السياسة و هي الطريق إلى نجاحنا !؟!
ففي اليوم الذي تنفست فيه نسمات السياسة أحسست فيه بالحرية ،فهي أي الحرية إحساس قبل أن تكون ممارسة أما  العبودية و الكبت الممارس علينا تنبع من ذواتنا و أهلنا القريبين قبل أن تكون من حكومة شمولية أو ديكتاتور عسكري. الحرية هي سلم و أول درجاته هي المعرفة و المعرفة هي سلسلة أولى حلقاتها القراءة ...
بغض النظر عن التساؤلات التي تدور في ذهنك فإن القراءة في السياسة تفتح لك أبوابا في الحياة لفهم أشياء ظنناها بعيدة كل البعد عن السياسة . فمع كل صباح وكوب القهوة إلى جانبك يكون مبلغ همك هو أن تدري كيف هو الحال اليوم في بلاد الغبش و كيف أصبح محمد أحمد ، و آمال تداعب مخيلتك وصلوات سرية و جهرية بأن يبدل الله من حال إلى حال لكن ما تلبث أحلامك أن ترتد إليك حسيرة و لكنك تعلم بأن الواحد الديان لا يرد الدعاء و بأنه حتما سيستجيب لصلواتك و لو بعد حين فلا تفقد الأمل وتُقبل تنهل من أخبار اليوم وتنشر على صفحتك في الفيسبوك يمنى ويسرى لتوسِّع معرفة من هم حولك فكل مقال تشاركه مع من هم حولك يزيد من فرص الخلاص و يقرب الحرية خطوة .
و تشتد بك الدهشة حينما تلاحظ مقدار الفرق في ردود الأفعال و التفاعل لمجتمعك الصغير من استنكار و تساؤل في البداية عن مالك و هذا يا صاح فلكل معركة فرسانها و لكل مضمار خيوله إلى مشاركة فاعلة بالتعليقات و الأخبار ثم بعد فترة ليست بالقصيرة تلاحظ أن بعض منهم قد بدأ مسلسل المعرفة الذي حتما و كلي ثقة بأنه سينتهي إلى ما هو خير.
ولا يخلو درب المعرفة من العوائق فتأتيك فواجع كل حين و آخر بعضها صغير و بعضها يزلزل كيانك ، منها ما يوقف مسيرتك لوهلة و منها ما يدفعك لمعرفة المزيد و يكون سببا لك لزيادة الحصيلة فتكتسب مهارة جديدة تكون لك عونا على مقبل الفواجع.
اليوم و انا اكتب هذا اعلم أن البعض سيقرأ العنوان و يرحل و أن البعض الآخر قد يقرأ إلى آخر الحديث و ينسى كما سيكون هناك جزء صغير جدا سيتفاعل بكتابة تعليق أو حتى مشاركة المقال مع صديق و قمة نجاحي هو عندما يكتب شخص واحد فقط مقال بناءاً على مقالي هذا ، فإن لم يكتب بناءا على مقالي هذا فقد يكتب ردا على فكرة أو مشاركة لك في مكان آخر فكن أنت التغيير الذي تريده في وطنك . 
غيّر وطنك بتغيير نفسك ، انتصر على الدكتاتورية الذاتية التي تحرمك من المشاركة في أشياء هي كل الخير لك و لوطنك ، أشياء قد تبدو تافهة أو فاسدة كالسياسة ... فقط إقرأ و لا تشارك ... إقرأ كل ما تجده إسلامويا كان أو شيوعيا فلا ضير عليك طالما لم تتوقف عجلة المعرفة عن الدوران و طالما لم تقتصر على ينبوع واحد تنهل منه معرفتك.
آخر كلامي هلموا بنا إلى بناء وطن يسعنا جميعا ، وطن يسعنا جميعا بإختلاف ألواننا و أشكالنا و دياناتنا ولا دياناتنا. وطن إسمه السودان.