السبت، 29 ديسمبر 2012

الصادق المهدي و رؤيته للحكم الرشيد

تشرفت يوم الأربعاء الموافق 26 ديسمبر بحضور منتدى الإدارة الذي يقيمه المجلس الثقافي البريطاني بالتعاون مع شركة إم تي إن  الذي كان بعنوان الحكم الرشيد و الذي استضافوا فيه السيد الصادق المهدي رئيس وزراء السودان السابق و رئيس حزب الأمة كمتحدث رئيسي في المنتدى.
المنتدى على حد علمي يقام بصفة راتبة في فندق كورينثيا بمنطقة المقرن الراقية في وسط العاصمة المثلثة على أنني فوجئت بقلة الحضور وانا الذي يممت وجهي شطر الخرطوم قبل المغرب ووسواسي يخبرني بأنني سوف لن أجد مقعدا بما ان المتحدث هو أحد أعلام البلاد و رئيسها السابق في آخر عهدها بالديمقراطية !
وصلت إلى الفندق في حوالي السابعة و عشرة دقائق مساءا ً ، فكرت في شرب فنجان من القهوة حتى افتح خلايا عقلي لتقبل حديث السيد الإمام و في خيالي طيف من طفولتي حينما كان يتوقف التلفزيون القومي عن بث المسلسل اليومي لينقل حديثه مما يعرف بالجمعية التأسيسية فاعترتني قشعريرة و انا اتساءل إذا كان ذلك باللغة العربية فكيف به متحدثا بالإنجليزية و أنا اعلم انه خريج أوكسفورد !!
شربت قهوتي على عجل و سابقت افكاري نحو القاعة فكانت عملية التسجيل يسيرة جدا ولكن المفاجأة كانت في خلو القاعة من الحضور و الساعة تشير نحو تمام السابعة و النصف ، حجزت مقعدي في منتصف القاعة تماما في الصف الثالث و قمت بعدّ الحضور لأجد أنهم لم يتجاوزوا السبعة و ثلاثين شخصا بينهم إثنتي عشرة إمرأة معظمهم يبدو عليهم انهم من الصحفيين و قليل جدا من الشباب الشيء الذي احبطني جدا.


على المقاعد كانت توجد هدايا من شركة إم تي إن للحضور و هي لفتة لطيفة لا أدري هل هي عادة دارجة في المنتدى أم أنها فقط بمناسبة العام الميلادي الجديد ولكنها لاقت استحساني على كل حال. ثم مالبث ان توافد الحضور على القاعة و نحن في انتظار البداية التي تأخرت حوالي ست و اربعين دقيقة بحسب ساعة يدي و لم نتلق أي إعتذار إلا عند الساعة الثامنة و عشر دقائق ليخبرنا أحد المنظمين بأن سبب التأخير هو زحمة الطريق !! حقيقة تعجبت و انا استمع فكأن الحضور أتوا من مدينة أخرى غير الخرطوم ، فإذا كنا جميعا تمكنا من الحضور في الموعد فلماذا لا يتمكن السيد الإمام من الإيفاء بإلتزامه وهو المتحدث الرئيسي !؟ و لعل هذا يلقي قليلا من الضوء على كيف نجح إنقلاب الثلاثين من يونيو !

بدأ المقدمون بالتعريف بمدير المنتدى و خانتني الذاكرة في حفظ المقتطفات البسيطة التي قيلت عنه ، على أنني أذكر منها انه يعمل كاستشاري في بنك المال المتحد حاليا و انه تلقى دراسته الجامعية في جامعة الخرطوم و حاصل على زمالة المحاسبين أو المراجعين القانونيين و عضو للعديد من الهيئات الإستشارية الأمريكية البريطانية.
قام السيد مدير المنتدى بتقديم المتحث الرئيسي السيد الأمام الحسيب النسيب كما يحلو للأنصار بتسميته الصادق الصديق عبدالرحمن المهدي وهو غني عن التعريف كما قال تماما . ثم حيا السيد الإمام الجمهور  ( أحب هنا أن ألفت نظر القاريء إلى أن المنتدى يقام باللغة الإنجليزية بالكامل ) وابتدر مقدمته بالتعريف و التنبيه بدور اللغة الإنجليزية كلغة العصر الأولي و أشاد بدور المركز البريطاني في نشر اللغة و تعليمها.



قدم السيد الإمام محاضرته مقروءة من ورقة و هنا كانت استفهاماتي ، على أني تجاوزت هذا بتبرير مفاده انها قد تكون من متطلبات المنتدى كتابة المحاضرة على ورقة حتى يتسنى للجمهور المتابعة بصورة أدق و ما لبث أن تأكد شكي حين تم توزيع المحاضرة علينا مطبوعة كما ترون في الصور في الأسفل ...










يمكنك عزيزي القارئ  الإطلاع على رؤية السيد الإمام للحكم الرشيد من الورقة أعلاه ولكني أنصحك أولا بتناول حبتين للضغط و علاج وقائي للجلطة و أن تكون قريبا من المستشفى في حال شعرت بأعراض المرارة ثم عليك الإستغفار عديدا قبل القيام بأي شيء قد تندم عليه في المستقبل ، و كسبا للوقت سوف لن أقوم بإعادة ما ذكره فهو كعادته يناقض أفعاله في كل شيء يقوله وهذا ليس بجديد عليه.

بعد المحاضرة تم فتح باب الأسئلة للجمهور و بدايةً ظننت أن الإمام سيصطلي نارا حامية من الجمهور ولكني فوجئت بكمية الثلج الذي تكسر على رؤوسنا حتى حسبت أنني قد ضللت طريقي إلى منتدى هيئة شئون الأنصار و ترى الإمام يوزع في إبتساماته يمنة ً و يسرة و الأسئلة البريئة تتساقط عليه بردا و سلاما . طُرحت خمسُ اسئلة في البداية فاستهلك الإمام معظم الوقت ليجيب عليها و منها حسمت أمري و قررت أن اسأل السؤالين الذين طالما تمنيت طرحهم على السيد الصادق المهدي وجها لوجه إن أمد الله  في أعمارنا و قدر لي أن أقابله ، فجلست على أحر من الجمر منتظرا فرصة النقاش الثانية.
وأخيرا بعد طول انتظار و ملل فُتح باب الأسئلة للحضور مرةً ثانية فرفعت يدي عالية حتى يتسنى لمدير المنتدى رؤيتها فلا تفوتني الفرصة ، فاتيحت فرصة أولى لسيدة جليلة عرّفت باسمها و بانها معلمة للغة الإنجليزية و كان سؤالها عن: هل تتعارض ممارسة الديمقراطية مع الإسلام و هل يمكن للمسلم الملتزم أن يمارس العمل السياسي بشكله الراهن؟ ثم بعدها اتيحت الفرصة لشخص آخر فكان سؤاله للسيد الإمام بأن صحف اليوم خرجت علينا بأخبار مفادها أن السيد الإمام قد صرح تصريحا بأنه سيتقاعد عن ممارسة العمل السياسي و يتفرغ للتنظير فهل من تأكيد ؟ و يبدو على الرجل أنه صحفي من هيئته و طريقة طرحه للسؤال و إنجليزيته الركيكة  فعلق مدير المنتدى على هذا السؤال بهمهمة لم اتمكن من سماعها بوضوح ولكن فيما يبدو لي أنه طلب من المشاركين الإبتعاد عن السياسة فأصر الرجل على سؤاله و أعاده بإلحاح أشد من ذي قبل فتقبله المدير على مضض .و من ثم أُتيحت لي الفرصة للنقاش و السؤال. هنا استميحك عذرا عزيزي القارئ بأن أكتب الأسئلة بلغتها التي طرحتها بها حتى يتسنى لك الفهم بصورة أشمل:
Dear Mr. Elsadig, I have two points or questions, First one: don't you think that Mahdeya has turned from being a revolution against colonization to some sort of Dynastico-theocratico-military governance?

My second question is : Barack Obama is born in 1961 and David Cameron the British prime minister is born 
in 1966 and you have been the head of Umma party since 1964, now what kind of messages do you think this will send to the Sudanese youth and our young generations about Good governance and setting a role model for them?
Thank You
سؤالي الأول للسيد الإمام: ألا تعتقد بأن الثورة المهدية تحولت من كونها ثورة ضد المستعمر إلى حكم ديكتاتوري ، ديني و عسكري؟؟
و سؤالي الثاني قدمت له بأن باراك أوباما مولود في 1961 و ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني مولود في 1964  و أنك توليت رئاسة حزب الأمة في نوفمبر 1964 ، برأيك ماهي الرسالة التي يتلقاها الشباب السوداني حول الحكم الرشيد و الصورة المثالية له وهو ينظر إليكم؟
و حقيقة لأول مرة قام جزء كبير من الحضور بالتصفيق بعد سؤالي ، اختلجت الكثير من المشاعر في قلبي فحتى لحظة طرح السؤال كنت أظن أن الشعب السوداني غير واعي و منتبه لما يحدث من حوله و لكن فقط لحظة التصفيق من الحضور و كلمات التشجيع التي سرت هنا و هناك أعادت لي الثقة بأن الشباب السوداني  يشاهد و يعرف و يحكم و ينتظر ..

ثم بعد ذلك اتيحت الفرصة لأحد الشباب فقام و أثنى على كلامي و قال أنه يود توجيه نفس الرسالة أو السؤال للسيد الإمام و يتمنى لو يسمع تعقيبا حول تلك المسألة ..
إجابات السيد الإمام كانت كالآتي:
أولا أفاض و استفاض في إجاباته للسيدة الكريمة حول رؤيته للسياسة و الإسلام و أنه لا يرى أي تعارض بينهما و عضد رأيه بما يراه مناسبا من الكتاب و السنة الفعلية و القولية ثم طفق على سؤال الصحفي و قال بأن الصحف تفسر الحديث على عواهنه و أنه لم يكن يتكلم عن اعتزال العمل السياسي و إنما تحدث عن أنه حان الوقت لتدريب شخص يتمكن من قيادة حزب الأمة في المستقبل و لعل الصحف رأت في ذلك نوعا من الإعتزال.
و عندما أتى إلى أسئلتي أولا تجاوز السؤال الأول بشكل كــــــــــــــــــــــــــــــــامل !! كأنما لم أطرحه فلم يعقب عليه من قريب أو من بعيد و دلف إلى السؤال الثاني مباشرة و كانت إجاباته كالآتي:
أولا اعترف بأنه على سدة رئاسة حزب الأمة منذ نيف و خمسين عاما ، و لكنه يرى أن تلك الأعوام من الظلم بمكان وضعها جميعا في نفس المنزلة فهو يرى أن اربعين عاما منها كانت تحت ظل حكومات دكتاتورية و كما هو معلوم أن الدكتاتوريات تضيق مساحة العمل السياسي و تقتر على الأحزاب في الحركة و العمل السياسي و بالتالي ليس علينا محاسبته بها. أما التبرير الثاني على حد زعمه فهو يرى أن الزعامة تكليف و ليس تشريف و أنه بجلوسه على الرئاسة لفترة النصف قرن و يزيد إنما كانت تضحية منه بما أن الدكتاتوريات كانت تعتقله و تشرده من البلاد و قال أن كل الحكومات الدكتاتورية بلا منازع قد عرضت عليه المشاركة بما يتضمن الحكومة الحالية و هو كان دائم الرفض لأنه من أنصار الديمقراطية و أنه لن يدنس تاريخه بالمشاركة في حكومات تأتي عن طريق الدبابات و الإنقلابات فسبحان من جعله يرى تلك دكتاتوريات و يرى جلوسه لنصف قرن تضحيات و مشاركة إبنه لهم حرية شخصية !!
أما الجزئية الأخيرة حول كيف يتلقى الشباب السوداني جلوسه كل هذه الفترة على الرئاسة فكانت إجابته كالآتي:
قال بأنه يعتقد بأن هذا هو النموذج المثالي للعمل السياسي و أن الشباب السوداني يجب أن يقتدي به في ذلك لأنه يضرب لهم مثلا كيف أن الإنسان يحارب من أجل أهدافه و مبادئه مهما سُجن أو طورد أو أو أو أو .... و أنهم جميعا يجب ان يكون لهم نفس الإصرار و العزيمة ... هنا أترك لك الحكم عزيزي القارئ و ليس لي من تعليق سوى حسبي الله و نعم الوكيل ..
أثناء حديثه علق جاري الذي كان يجلس بجانبي و نبهني إلى أن الإمام تجاوز سؤالي فحمدت الله على أن الجمهور لم يغط في نوم عميق و تنبه إلى مرواغات السيد الأمام.
بعد هذا شكر مدير المنتدى الحضور و اُختتم المنتدى ، ثم توجهنا بعدها لتناول الشاي و القهوة فاحمد الله أن الكثير من الشباب  شكروني على توجيه هذه الأسئلة و قالوا أنها كفتهم كل المنتدى ، كما  قام كبار السن يسؤالي عن هل أعتقد أن سؤالي سيغير شيء في العقلية التي يتحدث بها ساستنا ؟ و هل أعتقد أن السيد الإمام هو الإستثناء عن البقية ؟ فقلت بأنني أعرف أنهم جميعا من نفس الطينة ولو كان الميرغني موجودا لوجهت له نفس الأسئلة ، أما عن غرضي من الأسئلة فهو ليس السؤال بقدر ما كان توجيه الرسالة للسيد الإمام بأننا نعرف و نحسب و لسنا كما يحسبنا هو وقومه من المنشغلين بالأغاني و كرة القدم ، بل نحن نمد في الأيام و نعمل في صمت ، فقط أساليبنا مختلفة و منهجنا مختلف و لكننا سنكون لهم بالمرصاد و سيجدوننا أينما حلّوا ...

إنني أدعو الشباب الى حضور مثل هذه المنتديات و توجيه الإسئلة التي ترسل الرسائل بأن على الكهول اعتزال العمل السياسي في الساحة السودانية فلم يعد لديهم ما يقدموه فإنّ فشل حكومة المؤتمر الوطني يشارك فيه بقدر مماثل فشل أحزاب المعارضة السودانية و عدم قدرتها على التعبير عن آمال و تطلعات الشعب السوداني عامة  و الشباب على وجه الخصوص ...

لا أدعوكم للتظاهر أو الثورة بقدر ما أدعوكم للمقاومة السلمية بتشكيل حضور دائم في كل المحافل السياسية و الأدبية و الثقافية و عدم الملل من إرسال الرسائل التي تقول نحن هنا موجودين و قادرين ..

ودمتم

هناك تعليقان (2):

  1. سلامات يا مصطفى ..

    هل عدم دعوتك للتظاهر ناتجة عن موقف من التظاهر نفسه كآلية سلمية للتعبير، أم هل هي موقف من الرغبة المتصاعدة في التغيير - فيما يتعلّق بواقعنا الراهن في السودان ؟

    عشان أتأكد إنو فهمتك كويس.

    ردحذف
  2. شكرا عزيز على اخذ الوقت للقراءة و التعليق
    ليس لدي موقف محدد ضد التظاهر بل انا ادعم خيار الشعب ايا كان ، فاذا كان ذلك الخيار هو التظاهر فليكن و انا معهم. اما دعوتي بان التظاهر هو نتاج لمرحلة معينة لا يمكن الوصول لها مالم نستوفي متطلبات محددة ، تماما كغليان الماء فيجب تسخينه حتى يصل درجة حرارة معينة، برأيي المتواضع نحن الشودانيين لم نستوفي بعد متطلبات التظاهر بعد.لذلك ادعو الشباب لاتباع سبل اخرى لتغيير الواقع.

    ردحذف